يعرف التطور على انه التغيير التدريجي الذي يحدث في تركيبة المجتمع أو العلاقات أو النظم أو القيم السائدة فيه.
يكون التطور باتجاه تصاعدي نحو الأفضل، فالجسم يتطور في المرحلة الجنينية من نطفة إلى مضغة إلى علقة...
والفرد في هذه الحياة الدنيا يفترض أن يكون دائماً في مرحلة تطوير ذاتي ومجتمعي نحو الأحسن والأفضل وهذا لا يحدث أبداً إذا كان الفرد في غفلة عن ذاته ونفسه إذ من المفترض أن تكون هناك متابعة ومراقبة لشؤون النفس والذات كي يمكن الارتقاء بها نحو الأحسن والأفضل.
وبصورة عامة ما يكون الناس مع أنفسهم على حالات عديدة، فهناك:
1ــ النمط الأول هم الكسالى العاجزون الذين يقفون مع أنفسهم وذواتهم على ما هم عليه ولا يفكرون أبدا في ارتقاء أو تقدم.
2ــ والنمط الثاني هو التحرك الأكثر من الأول فهو يؤدي فرائضه وما عليه وبقدر استطاعته وهو لا يعيش الهمة العالية لطموحات اكبر، وعموم الناس في هذه الفئة.
3ــ أما النمط الثالث فهم الذين يبحثون عن الرضى والتطور ولكنه لا يهتدي إلى السبيل الصحيح وقد يقوم بأعمال كبيرة كما يراها ولكنه لا يهتم لأمور تبدو له صغيرة وهي من الأساسيات.
4ــ أما هذا النمط فيفكر بالتطور ويقتحم الصعاب ويقف عند الأمور ليختار أصوبها ثم هو دائماً في وعي لذاته ولا تغره الأمور الكبيرة بمعنى ليس مهماً له ان يبني مستشفى فقط انما يعزز نيته الخالصة لله من خلال هذا العمل وبهذا تكون صغائر الأعمال كبيرة بنيتها كما أنه يبحث عن كل عمل يمكن أن يرتقي به.
على هذا الأساس ليس من الصحيح ان يبقى الفرد مع الإنموذج الأول العاجز الكسول فهو إنموذج راكد إلى الأرض.
في حين يكون الإنموذج الرابع هو القدوة الحسنة للآخرين وفي هذا المضمار يدخل الأنبياء (ع) والمصلحون الذين لا يركنوا إلى دعة الحياة وسكونها بل هم في حركة دائبة رغم كل الصعوبات التي يعيشونها ومنها قول الرسول محمد (ص): ما أوذي نبي قط مثل ما أوذيت.
إن التطوير الأعلى يكون عبر إيصال الدعوة واكمال رسالة الإسلام رغم أن الصعوبات جمة وفي هذا يقول الشاعر:
يغوص في البحر من طلب اللآليء
ومن طلب العلا سهر الليالي
فلو انه اكتفى بغير اللؤلؤ لبقى عند الساحل وعند جرف الشاطئ لكن من الغوص وتحمل المخاطر يحصل على الثروة.
ومع الفئة الأولى وتسير معها الفئة الثانية الراضية بما عليه التي اكتفت بما لديها وليس لديها طموح نحو العلى كمن يقول لله تعالى ان لا يدخله النار فيقف عند باب الجنة في حين ان الفئة الرابعة تنشد غرف الجنة وفردوسها.
وفي الفئة الأولى أيضاً نسمع كثيراً من الناس يردد: هذا قدري، هكذا انا، لا يمكن أن أطور نفسي، كيف انمي ذاتي، لا أريد أن اتعب نفسي اكثر، بل انهم قد يسخرون من الفئة الرابعة مثلاً والتي تتعب نفسها وتسهر الليالي من اجل تحصيل مكاسب علوية مبتغاة ومطلوبة.
ان عملية تطوير الذات هي عملية تحويل الذات الحالية إلى الذات المثالية التي هي صورة القدوة الحسنة التي تعرج الروح إليها في أمل الوصول إلى مرافئ قريبة منها إن تم العجز عن الوصول إليها ــ لعصمتها مثلاً ــ وعلى هذا فتطوير الذات هو تطوير للروح والعقل والجسد والنفس، هو اكتساب لفضائل الأخلاق وللقيم والمهارات وللعلم والمعرفة، وهو أيضاً اقتلاع ومحاصرة للعادات السيئة كالكسل والملل والضجر واليأس واجتثاث الرذائل بكل أشكالها.. وما أكثرها.
هذا يعني أننا بحاجة إلى معرفة الفضائل والأخلاق العليا والرذائل والسيئات ثم التعرف على أهدافنا وطموحاتنا وقدراتنا.
آليات تطوير الذات:
تطوير الذات يعني التخلص من كل الضغوطات التي تعيق الصعود والارتقاء في سلك الكمال الإنساني، وقد تكون هذه الضغوطات جسدية في الشره، أو التعلق الزائد بالموضة أو قد تكون نفسية في دوام الشكوى.. فما اكثر الشاكين وما اقل الشاكرين على هذا لا بد أولاً وقبل كل شيئ:
1ــ التعرف على النفس:
لاعرف ذاتي، قدراتي، مواهبي، من أنا وما هي نقاط الضعف في شخصيتي..؟ المفتاح الأول للتطوير هو معرفة الذات بكل أبعادها، معرفة واقعية وليست معرفة تجميلية تلغي السلوكيات الخاطئة او تبررها..
2ــ رسم الصورة الصحيحة عن النفس:
فهذه الصورة هي التي تدفع الإنسان نحو سلوك معين، لو رسمنا عن أنفسنا صوراً إيجابية (نحن قادرون، نستطيع ذلك.. الكل يخطأ والخطأ تجربة النجاح أنا أبني نفسي..) هذه الإيحاءات الإيجابية تعزز لدينا الرغبة في التطوير وتزرع في نفوسنا الإيحاء بالقدرة على ذلك.. وصورة الفرد عن ذاته مهمة أساسية وهي تبدا منذ الطفولة، فالطفل الذي يذكره أبواه بانه شجاع يستشعر هذه الصفة حتى وان كان خائفاً جباناً بل إن تذكيره الدائم بالشجاعة تجعله يفكر في إزاحة خوفه وجبنه وتحويل سلوكه إلى سلوك البطل الشجاع وهو المطلوب.
3ــ ماذا نريد؟.. وإلى أين نريد أن نصل؟ هل نكتفي بما عندنا أم أننا دائماً نفكر في صعود سلّم المطالب نحو الأحسن والأفضل؟ بمعنى آخر.. ان اعرف رسالتي في الحياة فانا لم اخلق عبثاً، وانما عليّ ان اعزز لدي انني خليفة الله في أرضه.. وان علي ان ارشد مجتمع التوحيد في الأرض وهذا لا يتنافى مع الأهداف العامة في ان أكون زوجاً صالحاً وأباً فاضلاً وأماً ناجحة وعاملاً موفقاً بل يعرف الإنسان ما يريد من خلال أدواره المتنوعة ويبقى الهدف الأساسي الخالد هو رضا الله (وادخلني الجنة) هو المطلوب.
4ــ تقوية الثقة بالنفس والإرادة وروح المبادرة:
وهذه كلها ستؤدي إلى التحول إلى شخصية إيجابية معطاءة غير مترددة مما يتيح لها الثبات في الصعاب.
5ــ التخلص من عوامل الضياع والتلف سواء الأمور التي تضيع الوقت أو المال أو تتلف الجهد أو توزع الطاقات الإنسانية في اتجاهات متعددة مما يقلل من قوتها، أو العوامل النفسية المحبطة كالقلق الزائد والشكوى والسلبية.
6ــ قراءة الكتب المفيدة:
ولابد ان تكون هذه الكتب جامعة فانا أريد أن أطور ذاتي روحياً ونفسياً واجتماعياً وفكرياً واقتصادياً وسياسياً وعلى هذا احتاج لمتابعة الكتب في هذه الجوانب، ليس بمعنى ان اصبح فيلسوفاً في كل باب، ولكن المطلوب هو الحصول على ثقافة نافعة فكيف يمكنني ان أطور نفسي روحياً وأنا اجهل حق الله أو أن أطور نفسي اجتماعيا وانا اجهل طرق التعامل مع الآخرين وكيفية مساعدتهم على حل مشكلاتهم إلى غير ذلك.
7ــ الصديق الإيجابي مهم، ولابد من الابتعاد عن الأشخاص المحبطين والمثبطين للعزائم خاصة إنموذج الفئة الأولى الذين هم يعيشون الخمول ويريدون من الآخرين ان يكونوا مثلهم لكي يتناسوا دعوة النفس اللوامة إلى تغيير الذات ولكي تتسع مساحة العجز في المجتمع.
على هذا فانتخاب الأصدقاء وتحديد نمط العلاقات الاجتماعية بحيث لا تستهلك كل الوقت هو أمر مهم.
8ــ الإقدام على تحمل المسؤوليات، فإنجاز المسؤولية يقوي الثقة بالنفس ويرسم صورة إيجابية عن قدرة الذات على هذا العمل ويمنحها أفقاً أعلى في فهم ذاتها.
هناك من يتهرب من كل مسؤولية لانه يعيش أزمة الذات يرى نفسه غير قادر ضعيف، قليل الثقة بنفسه، ولهذا لابد ان نتعلم ان نقول نعم للمسؤولية، وان تبادر إليها صور تطوير الذات.
والصور كثيرة تعود إلى قدرات الفرد الشخصية فقد تكون الصورة في تطوير القدرات الثقافية, او التطوير في قدرات اجتماعية في التواصل مع الناس واقامة علاقات طيبة مع الآخرين بمعنى التحول من كل الأنماط السلبية للشخصية سواء العدوانية او المنغلقة وغيرها إلى إنموذج مرن متزن منفتح مع الآخرين يجب ان أعلّم نفسي انني حين لا اهتم بذاتي وتطويرها فأنا أتحول إلى إنسان ضعيف يقف عند نقطة من النمو لكنه غداً سينزل عنها لانه سيتبع الآخرين الذين هم مثله في الضعف والوهن وهذا معناه مزيداً من التخلف الاجتماعي والثقافي.